الجمعة، 17 يوليو 2009

تأجيل الانتخــابات .. مَن يخــاف الديمقراطية ؟

تقرير : عبد القادر محمد عبدالقادر



أعلنت المفوضية القومية للإنتخابات ،الاسبوع الماضي ، عن تأجيل موعد الانتخابات لمدة شهرين آخرين ، لتُجرى في ابريل من العام 2010. وهذا هو التأجيل الثاني لموعد إجراء الانتخابات ، اذ كان من المقرر اجراؤها في فبراير من العام 2010 م ،وقبلها كانت مقررة في يوليو 2009م.
وأفاد بيان صادر عن مفوضية الانتخابات بأنها غيرت الموعد للمرة الثانية ،في غضون ثلاثة أ شهر، وعزت ذلك الي التأخير في الكشف عن نتائج الاحصاء السكاني. وأبان جدول زمني مرفق بالبيان بأن فترة الاقتراع والفرز الجديدة ستكون بين الخامس والثاني عشر من ابريل في العام 2010م.
تستمد هذه الانتخابات اهميتها من انها أول انتخابات ديمقراطية تجري في البلاد خلال أكثر من عشرين عاماً. ويتخوف الناس من ان يؤدي التأجيل المتلاحق لها الي مشكلات تتفاقم مع الايام ويصعب السيطرة عليها وايجاد الحلول الملائمة لها.
اتصلت بالاستاذ علي السيد ، القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل ،و عضو المجلس الوطني ، ليحدثني عن رايه في مسألة تأجيل الانتخابات فقال : يؤخذ علي المفوضية القومية الانتخابات ، انها تدخلت وعدلت في تاريخ اجراء الانتخابات ، وهذا أمر لا يعنيها، ومخالف للدستور لأن موعد اجراء الانتخابات محدد في الدستور بنص واضح ، حيث ينص الدستور في المادة ( 216 ) ، تحت عنوان مواعيد الانتخابات : ( تجري انتخابات عامة علي كل مستويات الحكم بموعد لا يتجاوز نهاية العام الرابع من الفترة الانتقالية) .و هذا نص دستوري واجب الاتباع ، واذا كان هناك تعديل اقتضته الظروف فيجب ان يتم في البرلمان بتعديل الدستور وفقا للمادة (224) من الدستور، التي تعطي الهيئة التشريعية القومية (البرلمان) الحق في تعديل الدستور ، وبما ان مواعيد الانتخابات متعلقة باتفاقية السلام الشامل فان المجلس الوطني لا يستطيع النظر في هذه التعديلات الاّ بموافقة الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني ، وفقا للمادة (224 ) ، الفقرة (2 ) من الدستور . ولكن المفوضية القومية للانتخابات قامت وادعت بأن لها السلطة في تعديل موعد الانتخابات ..وتم ذلك بموجب المادة (10 ) الفقرة( ط ) وهذه الفقرة حسب نصها تتعلق بمهام المفوضية وسلطاتها ، وجاء في هذه الفقرة : ( تأجيل اي اجراء للانتخابات أو الاستفتاء لاي ظرف قاهر وفقا لاحكام القانون) ، هذا النص مقصودا منه تأجيل الإجراءات اثناء الانتخابات وليس تحديد مواعيدها ، وهذا يعني اذا كانت هناك ظروف قاهرة كالامطار، أو الحرب الاهلية ، أو معركة في الدائرة الانتخابية ، فللمفوضية ان تؤجل ذلك الاجراء الي وقت آخر ، ولكن الفقرة ( ي ) من نفس المادة أمرت المفوضية بإعادة اجراء الانتخابات في مدة اقصاها 60 يوماً ، وبهذا فان تأجيل الانتخابات من قبل المفوضية كان خطأها الاول ومن ثم كان سببا في اخطاءها اللا حقة .واضاف السيد قائلاً : الواضح ان هناك اتفاق غير مكتوب بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني لتأخير الانتخابات ،وعدم اجراءها في مواعيدها وقد تم الاتفاق بان يوكل هذا التأجيل للمفوضية القومية للإنتخابات ، وقد كان المؤتمر الوطني يتحدث عن ضرورة تعديل الدستور لتأجيل الانتخابات لكن فجأة سكت عن ذلك.وهذا ما يدلل علي ما ذهبت اليه.
ويوضح السيد: نحن نري ان التأجيل اللاحق هو نتيجة للخطأ الأول ، وليس من حق مفوضية الانتخابات ، والتأجيل الأخير كان متوقعاً طالما مر التأجيل الاول بسلام ، ونخشي ان يتم تأجيل ثالث ورابع الي ان تنتهي الفترة الانتقالية .
وأوضح السيد أهمية اللجوء للمحكمة الدستورية لحسم هذهه القضية، قاائلاص :نري انه من الأفضل اللجؤ الي المحكمة الدستورية لحسم هذا الأمر لان التهاون بالدستور اصبح ظاهراً وواضح، حيث استمر المجلس الوطني رغم انتهاء مدته ، وهو مخالف للدستور، وهذه الحكومة ايضاً تصبح غير شرعية في يوم 9 يوليو 2009 م ، لانه يجب ان ان تقوم حكومة جديدة وفق مجلس وطني منتخب قبل اربع سنوات من نهاية الفترة الانتقالية في 9 يوليو،و يجب ان تشكل حكومة جديدة لأن هذه الحكومة تصبح غير شرعية ووجودها مخالف للدستور.
في ذات السياق ، تحدثت الي الاستاذ كمال عمر عبدالسلام، نائب الامين العام للمؤتمر الشعبي، حول تأجيل الانتخابات، الذي قال : مسألة مواعيد الانتخابات هذه حُسِمت بواسطة اتفاقية السلام الشامل ،والدستور الانتقالي ، وقانون الانتخابات،وكل هذه الوثائق حَسَمت بصورة قاطعة التاريخ المحدد للانتخابات، وحَسَمت سلطة مفوضية الانتخابات، فالمفوضية ليس لديها الحق في تأجيل الانتخابات ، الا وفقا لأحوال استثنائية محددة في نص المادة ( 27) من قانون الانتخابات ، وهي اعلان حالة الطوارئ ، وحالة الطوارئ مُعرَّفة في الدستور بانها حالة حرب او كارثة طبيعية هذه هي احوال الطوارئ لكن الثابت ان المفوضية قامت بتأجيل الانتخابات بحجة تأخُر نتائج الاحصاء السكاني ، وهذا ليس سبباً من الاسباب المُحددة في الدستور أو القانون ، وبالتالي نحن نعتقد ان المفوضية خالفت نص الدستور وقانون الانتخابات للمرة الثانية.. وهذا مؤشر يقدح في حيدة مفوضية الانتخابات ويجعلنا غير مطمئنين علي مستقبل قيام الانتخابات .واضاف عمر قائلاً : كل هذه مؤشرات لأزمة سياسية ناتجة عن هذه التصرفات ومدعومة بالوضع غير الدستوري الذي يمكن ان ان يحل بعد يوم 9 يوليو.وقال : كقوي سياسية نحتاج لأن نعمل لتفادي هذا الظرف. وأمَّن كمال علي أهمية الاجماع الوطني قائلاً :لابد من اجماع وطني تتشكل بموجبه حكومة انتقالية تضمن حيدة ونزاهة العملية الانتخابية في المرحلة القادمة .. مضيفاً : نذر الأزمة كلها: القوانين المقيدة للحريات ، وازمة دارفور، بالاضافة للانتخابات ، وتقرير المصير في الجنوب ، كل هذه تحتاج الي عقلية سياسية جديدة تدير هذه الازمة .
من جانبه تحدث الاستاذ صديق يوسف ، مسئول لجنة الانتخابات بالحزب الشيوعي السوداني ،حول مسالة تأجيل الانتخابات ، قائلاً: هناك مؤشرات ونذر نوايا (مُبيته) من المؤتمر الوطني، منذ بداية 2005 م، لتاجيل الانتخابات،ودلل يوسف علي ذلك بقوله :المؤتمر الوطني خرق الدستور والاتفاقية في عدة مرات، كان أولها عدم إلتزامه بمراجعة القوانين المتعارضة مع الدستور ، فبمجرد التوقيع علي الدستور في يوم 9 مايو 2005 ، كان من المفترض أن يبدأ العمل في مراجعة كل القوانين المتعارضة مع الدستور ،ووهذا الامر لايزال يراوح مكانه، ولم يُنفذ منه شئ،وكذلك قوانين التحول الديمقراطي.
واضاف يوسف : الدستور والاتفاقية نصا علي ان يُجاز قانون الانتخابات، ويتم تكوين مفوضية الانتخابات خلال 6 أشهر من التوقيع علي الدستور في( 9 مايو 2006) ، والقانون اجيز في 2008 .وهذا خرق الدستور في تعطيل القانون، وتكوين المفوضية تأخر لمدة أربعة اشهر.وهناك خرق آخر لللدستور في عملية الاحصاء االسكاني ، يضيف يوسف : الدستور ينص علي اجراء الاحصاء السكاني قبل نهاية العام الثاني من تكوين الحكومة الانتقالية (9 يوليو 2007 م )، إلا إن نتائج الاحصاء السكاني ظهرت في يونيو2009 م !! ، كل هذه النصوص الموجودة في الدستور والاتفاقية قبل نهاية قبل نهاية العام الراابع ..
وحمَل يوسف المؤتمر الوطني مسئولية تأخير ، وأضاف قائلاً : هنالك العديد من المشكلات لازالت قائمة ، ستعترض قيام الانتخابات الحرة النزيهة التي ننشدها ، وحصر تلك المشكلات في : الخلاف حول الاحصاء السكاني ، و القوانين المتعارضة مع الدستور ، وأزمة دارفور، و ترسيم الحدود، مضيفاً : في تقديري ان المؤتمر الوطني غير راغب في قيام الانتخابات ، وذلك لانها ستفقده اغلبيته الميكانيكية التي اعطتها له اتفاقية السلام.
في ذات السياق ، تحدثت الي الاساتذ فاروق أبوعيسي، النائب البرلماني عن كتلة التجمع الوطني الديمقراطي، الذي قال :علي ضوء ما قامت به المفوضية القومية للإنتخابات من تأجيل لموعد إجراء الانتخابات من فبراير الي ابريل ، أجري تحالف المعارضة في اجتماعه الاخير نقاشاً مستفيضاً حول عملية الانتخابات بكلياتها ، وسجل انزعاجه من التأجيل الاخير نسبة لما يرسله هذا التأجيل من من اشارات سالبة علي مجمل العملية الانتخابية وذلك لان شهر أبريل الذي اُجلت له هو الطريق الاول لمرحلة خطر الالغاء الكامل للانتخابات .مضيفاً : اذا حدث اي تأخير آخر لمدة شهر أو شهرين بعد ابريل نكون قد دخلنا في موسم الامطار الذي تستحيل معه الانتخابات في مناطق كثيرة بالسودان ، والتي كانت أحد اسباب التأجيل الأول . هذا بالاضافة الي ان هذا القرار من قِبل المفوضية لم تتشاور فيه مع الاحزاب السياسية وهي المعني الاول بالانتخابات ، ولاحظ الاجتماع إن هذه ليست هي المرة الاولي التي لم تستشر فيها المفوضية الاحزاب، وكان الاول عندما حددت الدوائر الجغرافية اعتمادا علي التعداد السكاني الذي رفضته احزاب التحالف باعتبار انه لم يكن صادقا ولا عادلا، بل رسمه المؤتمر الوطني ليكون حصان طروادة الذي يكسب به الانتخابات القادمة ، وذلك باعتراف الحركة الشعبية الشريك في الحكم والتي تعرف خبايا ورزايا اعمال هذه الحكومة بحكم قربها من المؤتمرالوطني .
واعلن أبوعيسي عن رفض تحالف المعارضة لنتائج التعداد قائلاً : الاحزاب من جديد تعلن رفضها لهذا التعداد ،ورفضها لتأسيس الانتخابات وخاصة الدوائر الجغرافية ، علي أساس هذا التعداد.
وفي معرض حديثه عن اجتماع تحالف المعارضة الذي ردت من خلاله الاحزاب علي تأجيل الانتخابات ، قال ابوعيسي: تعرض الاجتماع لتعيين اللجان العليا للانتخابات والتي لم يحصل تشاور فيها مع الاحزاب ،والتي جاءت في غالبيتها باعضاء من المؤتمر الوطني بمسميات اخري .واضاف: عقب هذا النقاش الذي تم فيه اجماع كل احزاب تحاالف المعارضة قرر الاجتماع اصدار بيان في هذا الخصوص وعقد مؤتمر صحفي لان البيان وحده اصبح غير كاف في وجود الرقابة الامنية علي الصحف التي تنزع كل اخبار المعارضة.واستعرض الاجتماع آخر التطورات بشأن الاعداد لمؤتمر جوبا ، وكانت اللجنة التحضيرية قد فرغت من اعداد الاوراق التي تتناول مواضيع الاجتماع ووزعت هذذه الاوراق علي كل احزاب تحالف المعارضة، بهدف دراستها والتعليق عليها بهدف اجازتها في الاجتماع الدوري للتحالف في هذا الاسبوع ،وطُلب من الللجنة مواصلة اللقاءات التحضيرية بهدف الاتفاق علي كل الترتيبات اللوجستية المؤدية الي ذلك اللقاء...
هاهي المعارضة تنهض بثقلها للوقوف ضد تأجيل الانتخابات ، والمفوضية تؤجل ما شاء لها الهوي ، وشريكي الحكم غارقين في مناكفات(توم وجيري) التي لا تنتهي.. وجماهير الشعب السوداني في انتظار صباح جديد تملؤه اشراقات الديمقراطية والسلام والتنمية ، والطريق الي ذلك يمر عبر بوابة الانتخابات... فـلمصلحة من ياتري يتم تاجيلها من مرة الي اخري ؟ !


** الميدان 7 يوليو 2009م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق