الأربعاء، 12 أغسطس 2009

حقوق غير المسلمين بالعاصمة .. قوة الدستور وهشاشة المفوضية !

عبدالقادر محمد

في الوقت الذي تتناقل فيه وسائل الإعلام في العالم خبر تعرض فتيات غير مسلمات للجلد بالعاصمة الخرطوم، وفقاً لقانون النظام العام القائم علي خلفية الشريعة الاسلامية ، الأمر الذي يعتبره الناشطون في مجال حقوق الانسان انتهاكاً لحقوق غير المسلمين بالعاصمة القومية ،الذين تم تشكيل مفوضية خاصة لمراعاة حقوقهم بالعاصمة ،عقب اتفاق نيفاشا ، طلع السيد جشوا اداو رئيس مفوضية غير المسلمين بالعاصمة علي العالم بتصريحاته الصحفية بأن : (المفوضية لم تتلقى حتى الآن اى شكاوى حول تعرض عدد من الفتيات غير المسلمات للجلد من قبل شرطة النظام العام).
وكانت تقارير صحفية اشارت الى تعرض عدد من الفتيات غير المسلمات من جنوب السودان للجلد فى احدى محاكم الخرطوم بدعوى ارتدائهن ما وصف بملابس فاضحة.
ما بين التقارير الصحفية التي نقلت حادثة جلد الفتيات غير المسلمات وما بين تصريحات السيد جشوا اداو ، تبقي هنالك مساحة للبحث عن الحقيقة.. هي المساحة التي نذرت (الميدان) أن تسلط عليها مزيداً من الاضواء الكاشفة.
في رحلة البحث هذه ،إلتقيت بطالبة جامعية غير مسلمة، من جنوب السودان ، تسكن بحي أركويت بالخرطوم، وحدثتني عن قصتها مع النظام العام: (في عصر يوم 29 مارس الماضي كنت وزميلاتي خارجين من الجامعة ، في طريقنا الي احد المطاعم لتناول الغداء ، إلتقتنا في الشارع عربة دورية للشرطة ، بدأ الرجال في معاكستي وزميلاتي ، وعندما استهجنا تصرفهم هذا ، نزلوا من عربتهم واقتادوني ومن معي الي مبني يتبع لشرطة االنظام العام بحي السجانة بالخرطوم ، وقدمونا للمحاكمة....و ...(تسكت طويلاً ، كأن هذا القول نكأ جراحاً غائرة في روحها...)
لم تستطع اجترار هذه الذكري الاليمة ، ولم تستطع اكمال فصول قصة المأساة ، إلاَّ بعد عناء وألم و ودموع ...و ، فقط كان هذا آخر ما قالته لي.
بعد أن تأكدتُ بنفسي من وقوع هذه الحادثة، ووجدتُ ضحايا آخرين من غير المسلمين انتهكت الشرطة حقوقهم التي كفلها لهم الدستور الانتقالي، لم هنالك من بد للذهاب الي المفوضية الخاصة بمراعاة حقوق غير المسلمين بالعاصمة القومية ، لفهم طبيعة هذه المفوضية أولاً، وللوقوف علي طبيعة عملها وكيفية توفير حماية وصون حقوق غير المسلمين بالعاصمة القومية.
لحظة دخولي الي مقر مفوضية غير المسلمين ، إلتقيت بالسيد عبدالمجيد خليفة خوجلي الامين العام لمفوضية غير المسلمين، ودار محور الحديث حول الانتهاكات التي تقع علي غير المسلمين ، وحول طبيعة المفوضية وعملها.
*أهداف المفوضية :
تعمل المفوضية الخاصة بمراعاة حقوق غيرالمسلمين علي التأكيد علي ان العاصمة القومية رمز للوحدة الوطنية وتعكس تنوع البلاد الديني والثقافي والاجتماعي وتثريه، تحرص علي كفالة حقوق غير المسلمين بالعاصمة القومية في ظل تطبيق الشريعة الاسلامية ، وتعزز العمل علي ارساء روح التسامح والتعايش السلمي بين ساكني العاصمة االقومية.
*مهام المفوضية :
تتمثل مهام المفوضية بحسب المرسوم الجمهوري الخاص بتكوينها علي تاكيد ان حقوق غير المسلمين مراعاة في ظل تطبيق الشريعة الاسلامية بالعاصمة القومية ، وتاكيد احترام كل الاديان والعقائد والاعراف وارساء روح التسامح والتعايش بين الملل والثقافات المختلفة في العاصمة القومية ،و رفع اي ملاحظات وتوصيات تراها لرئاسة الجمهورية.
*اجراءات عمل المفوضية :
وضع السياسات والخطط لقيام مشاريع وبرامج تهدف الي تأكيد معاني التسامح والتعايش وذلك بالتعاون مع المواطنين وقيادات المجتمع والجهات الحكومية المعنية،، و الاتصال بمبادرة منها باي جهة حكومية أو غير حكومية للتاكد من ان حقوق غير المسلمين مراعاة في ظل تطبيق الشريعة الاسلامية بالعاصمة القومية ،،، وتتلقي المفوضية الشكاوي من المواطنين والهيئات ودراستها والتحقق منها بالاتصال المباشر مع الجهات المختصة بولاية الخرطوم.،،، وتعمل علي تقديم سياساتها وخططها لرئاسة الجمهورية للموافقة عليها.
*الاشراف علي المفوضية وميزانيتها :
تعمل المفوضية تحت اشراف رئاسة الجمهورية ، وتكون للمفوضية ميزانية سنوية تقدم لرئاسة الجمهورية لاجازتها وتضمينها في الموازنة العامة.
*المفوضية .. الواقع والمامول :
بهذه المهام والاهداف التي حددها المرسوم الجمهوري رقم (24) الصادر في سنة 2006 ، تم تكوين المفوضية الخاصة بمراعاة حقوق غير المسلمين بالعاصمة القومية ، لكن هل تتطابق النصوص الواردة في هذا المرسوم مع واقع الحال ؟
سألتُ السيد عبد المجيد خليفة عن حالات انتهاك حقيقية لحقوق غير المسلمين ، فقال : الي الآن لم تردنا اي شكاوي بهذا الخصوص، وقال نحن نتعامل مع كل الشكاوي التي ترد إلينا،، وأكد ان هناك شكاوي وردت من اشخاص عديدين إلاَّ انه لم ترد شكوي بخصوص مضايقات في الزي من شرطة النظام العام. وقال ان الشكاوي التي وردت الي المفوضية تتعلق بصناعة الخمور وشربها، وقال ان السجينات في قضايا الخمور من غير المسلمات تتجاوز نسبتهن الـ 80% من جملة السجينات.
واضاف خليفة من ضمن الشكاوي التي تردنا تلك التي تتعلق بمقابر غير المسلمين، والمتعلقة بالحدود ، وقال ان المفوضية ساهمت في وقت سابق في أيقاف تطبيق حد السرقة (قطع اليد)،في مواطن غير مسلم ، بعد ان حكمت عليه محكمة بالخرطوم بحري بقطع اليد، وقال ان المفوضية تدخلت ورفعت توصية لرئاسة الجمهورية التي تدخلت هي بدورها واوقفت تطبيق العقوبة بعد ان ثبت لها ان المواطن المحكوم عليه بقطع اليد مواطن غير مسلم. مؤكداً ان المفوضية هي جهة استشارية وليس لديها اي سلطة تنفيذية.وقال خليفة ان المفوضية الآن بصدد تدريب الصف الامامي من الشرطة والقضاة والنيابة لتوعيتهم بكيفية التعامل مع غير المسلمين.
*المفوضية لاتتعامل إلاَّ مع ما يرد إليها من شكاوي:
حينما سألت السيد جشوا اداو رئيس المفوضية حول الحادثة الشهيرة التي تم فيها جلد فتيات غير مسلمات وفقا لقانون النظام العام،قال : نحن نتعامل مع هذه القضايا بحسب الواقع ، ونحن لا نبحث عن الحالة أو نتحري عنها ، حتي ان سمعنا بها ،، مضيفاً : نحن نتعامل فقط مع الحالات التي تردنا فيها شكاوي.
وعن الآليات التي تجمع بها المفوضية المعلومات المتعلقة بحالات انتهاكات حقوق غير المسلمين ، يقول جشوا : نحن اعلنا عن المفوضية عبر التلفزيون ، والمتضرر يعلم بالمفوضية وعليه ان يأتي للتبليغ، إلا ان عبدالمجيد خليفة يقول : للمفوضية صناديق تبليغ بالمحليات تجمع من خلالها المفوضية الحالات وتتعامل معها.
ويضيف جشوا: نحن لا نتدخل في عمل المحاكم ، ولا نتدخل في القضية التي ينظر فيها القضاء، ولكن يوجد تنسيق بين المفوضية والقضاء والنيابة.
وقال جشوا: علي المواطنين ان يعرفوا ان لديهم حقوق علي الدولة وحثهم علي التبليغ الفوري في حال انتهاك اي حق من حقوقهم.
وعن الحالات التي وردت للمفوضية يقول جشوا : وردتنا حالة فتح محل تجاري أثناء صلاة الجمعة ، صاحبته غير مسلمة ،قبضت عليها الشرطة وتم تدوين بلاغ في مواجهتها. وذكر أيضاً حالة حد السرقة (قطع اليد) التي حكمت بها محكمة بحري علي مواطن غير مسلم.
وبخصوص مراعاة حقوق غير المسلمين في شهر رمضان يقول جشوا : رفعنا هذا الامر لرئاسة الجمهورية قبل سنتين ووجهت ولاية الخرطوم بعدم اغلاق المطاعم في رمضان. ويضيف جشوا: المشكلة في رمضان ان المحليات تزيد الرسوم بصورة باهظة ، ويصعب علي اصحاب المطاعم فتحها مع هذه الزيادة الكبيرة في الرسوم،
وقال ان هناك بعض المسلمين المتشددين يرفضون فتح المطاعم في رمضان لاسباب تتعلق بعقيدتهم. إلا انه عاد واكد ان مشكلة المطاعم في رمضان تعقدها اكثر المحليات لان رئاسة الجمهورية حسمت هذا الامر.
وحول حادثة تكسير البوليس لدار عبادة خاصة بالمسيحيين في منطقة الفردوس ن يقول جشوا : هذه الدار كانت تقوم في قطعة ارض خاصة بمواطن اخر ليس له علاقة بمن بناها ، وعندما احتاج لقطعة ارضه ليبني فيها اشتكي الي الشرطة التي عملت علي ازالة مبني دار العبادة غير المخطط. مضيفاً : ان بناء دور العبادة يتم بتصديق وليس بطريقة عشوائية.
*هل تحمي المفوضية حقوق غير المسلمين؟
هذا السؤال ظل يهجس بخاطري منذ ان حملت اوراقي وذهبت الي المفوضية الي ان عدت منها وبدأت في الكتابة ،،
وسيبقي هذا السؤال قائماً الي تبتكر المفوضية آليات عمل جديدة تحمي بها حقوق غير المسلمين ، والي ان تُشكِّل المفوضية طاقم من الباحثين يعملون علي رصد وتوثيق انتهاكات حقوق غير المسلمين، ورفعها لجهات الاختصاص.
المفوضية بتكوينها وصلاحياتها الحالية لا تستطيع ان توفر الحماية الكافية لحقوق غير المسلمين ، لانها جهة استشارية وليس لديها اي صلاحيات للحماية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق